وقال عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم مخاطبا إياها: «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (البقرة، 2 / 136). يقول الإمام القرطبي الخطاب في هذه الآية هذه للأمة.[13]
ولا يقتصر الأمر على البشر وحدهم في الإسلام لله رب العالمين، إذ إنه دين الجن كذلك. يقول الله تعالى على لسان بعض الجنّ: «وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا. وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا» (الجن، 72 / 14).بل الأمر أبعد من الإنس والجن بالنسبة للإسلام.إذ يخبرنا القرآن الكريم أنه دين كل من في السموات والأرض. يقول الله تعالى: «أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ» (آل عمران، 3 / 83).
يقول الإمام القرطبي: «وله أسلم» أي استسلم وانقاد وخضع وذلَّ ، وكل مخلوق فهو منقاد مستسلم لأنه مجبول على ما لا يقدر أن يخرج عنه.[14] وقال قتادة: أسلم المؤمن طوعا والكافر عند موته كرها ولا ينفعه ذلك لقوله تعالى: «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ» (غافر، 40 / 85).
وقال مجاهد: إسلام الكافر كرها بسجوده لغير الله، وسجود ظله لله تعالى: «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ» (الرعد، 13 / 15).
وبهذا يتبين جليا أن الإسلام:
ليس بالدين الحديث في تاريخ البشرية.
كما أنه ليس دينا خاصا بطائفة من الناس أو أمة من الأمم.
ومن جهة ثانية: ليس قاصرا على زمان بعينه أو بيئة محددة.
وكذلك ليس خاصا بالبشر وحدهم فقد رأيناه يشمل الإنس والجن معا وصدق الله العظيم: « وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (الجن، 51 / 56).
وأخيرا ليس خاصا بالجن والإنس فقط بل كل من في السموات والأرض مسلم أسلم وجهه لله تعالى.